ملخص المقال
هجرة الشباب عبر البحر بطريقة غير شرعية احتلت مساحة واسعة من اهتمام وسائل الإعلام وعدد من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية
الهجرة رحلة إلى المجهول
قضية هجرة الشباب عبر البحر المتوسط بطريقة غير شرعية احتلت مساحة واسعة من اهتمام وسائل الإعلام وعدد من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والإقليمية في الآونة الأخيرة.
خصوصاً بعد أن باتت قضية الهجرة غير الشرعية مشكلة تؤرق الدول المستقبلة لهؤلاء المهاجرين وعلى رأسها دول أوروبا التي تعتبر المستقبل الأول للمهاجرين غير الشرعيين من دول شمال إفريقيا، وأيضا تؤرق الدول المصدرة لهؤلاء المهاجرين، وخاصة غير الشرعيين الذين تحولوا إلى مغامرين، وربما بل غالبا ما يردون موارد الهلاك.
هذا الاهتمام الكبير من قبل حكومات دول الاتحاد الأوروبي وكذا الحكومات المحلية لدول جنوب المتوسط ركز بشكل أساسي على ضرورة وقف الهجرة غير الشرعية إلى شواطئ أوروبا بآليات أقل ما توصف بها أنها أمنية إذ تتجاهل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بالشباب إلى التضحية بأرواحهم في سبيل إيجاد فرصة عمل وتحقيق حلمهم بحياة أفضل، فركزت معظم المشروعات المشتركة بين الحكومات الأوروبية وحكومات دول شمال إفريقيا على منع هؤلاء الشباب من التسلل بالقوة سواء عن طريق إنشاء معسكرات احتجاز أو دعم الاتفاقات الأمنية المشتركة التي تتيح تسليم المهاجرين إلى حكومات بلدانهم أو عن طريق الدعم المادي واللوجيستى لحكومات شمال إفريقيا لتشديد الحراسة على الحدود وتعقب المهربين والمهاجرين أنفسهم.
صار مصطلح الهجرة غير الشرعية ملحا ـ كما هو معروف ـ بشكل مكثف ويومي في وسائل الإعلام. بالتركيز على جانبه المثير وحتى الإنساني مع إهمال جوانب أخرى فيه لا تقل إثارة أو إقلاقاً.. فالتركيز الإعلامي ولاسيما المرئي يتم على عشرات ومئات اللاجئين الغرقى أو الناجين بصعوبة من حوادث السفن الرديئة والمتهالكة التي يركبونها لتقلهم خلسة إلى شواطئ أوروبا، أو النبأ المؤسف بأن أعدادا من الجثث ألقت بها الأمواج على ساحل ما أوروبي أو أفريقي، ومعها عبارة متداولة عثر على عدد من الغرقى لفظتهم الأمواج ، وهم من مجهول الهوية والذين يعتقد أنهم يعودون إلى إحدى البلدان الأفريقية.
للأسف كان لوسائل الإعلام الحكومية دور تغيبي معتاد في القضايا الهامة لتبتعد بوعي الناس عن جذور المشكلة فأصبحت شاشات التليفزيون تصور الشباب المهاجر على أنهم مجرمون وأن هؤلاء الشباب يجرون وراء "سراب الحياة السهلة" بدلاً من بذل الجهد في الأوطان.
ويبدو أن دول المهجر الأوروبية لم تعد تتعامل مع هذه "الظاهرة" على أنها مجرد هجرة غير شرعية بل على أنها طوفان بشري ولهذا تتخذ مبادرات واسعة النطاق وإجراءات تنتهك كل الدعايات والأعراف الديمقراطية المعلنة لاسيما في أوروبا الغربية.. ووصل الأمر إلى حد التدخل الفاضح في دول المنبع لفرض حكومات من طراز معين يكون دورها منع المهاجرين، حيث وصل الأمر إلى وضع أصبحت فيه بعض دول المرور أو العبور تعرض خدماتها على الغرب بالذات لمنع مرور الهاربين أو المهاجرين عبر أراضيها لقاء المساعدات المختلفة وصولاً إلى تثبيت أنظمة حكمها والتمكين للحكام ولورثتهم.
رغم أن الهجرة تمثل واحدا من أكثر المفاهيم تداولا في الفترة الأخيرة فإنها غالبا ما يتم توظيفها بشكل غامض، وذلك بسبب تباين الأطروحات المعرفية وزوايا النظر التي يتم من خلالها التعامل مع هذا المفهوم. حيث يتجلى التباين في المستوى الاقتصادي بصورة واضحة بين الدول الطاردة والدول المستقبلة.
خلافا لما نجده في دول الاستقبال، فإن النمو الديمغرافي، رغم الوضعية المتقدمة لما يسمى بالانتقال الديمغرافي في الدول الموفدة، لازال مرتفعا نسبيا وهذا له انعكاس على حجم السكان النشطين الملائمين لسوق العمل.
ونؤكد أن البطالة تمس عددا كبيرا من السكان وخاصة منهم الشباب والحاصلين على مؤهلات جامعية، حيث تقدر نسبة البطالة في بلد مثل مصر 10.30 % والمغرب بحوالي12 % وتبلغ 21% في المجال الحضري، وفي الجزائر تصل هذه النسبة إلى 23.7% حسب المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي و15% في تونس.
ومما يزيد من عبء الباحثين عن العمل بالهجرة عامة أن هناك طلب نوعي على العمل في دول الاستقبال، هذا الطلب يستجيب وفقا لمعايير تكلفة تشغيل العامل ومرونته في قبول أعمال صعبة حسب احتياجات سوق العمل وغالبا ما تكون هذه الأعمال مؤقتة ومنبوذة اجتماعيا في قطاعات مثل الزراعة والبناء والخدمات، وحتى الدول التي تدعو للحد من الهجرة الشرعية نجد فيها تغاضيا عن العمالة غير الشرعية بوصفها تقوم بدور في شغل مهن لا يقبل بها سكان الدول المستقبلة والتي نستطيع تحديدها في جزر البحر المتوسط ودوله اليونان ، قبرص ، الجزر اليونانية والإيطالية، ثم اسبانيا .
الهجرة بصفة عامة تطرح مشكلات خاصة بها تتعلق أساسا بالاندماج وتمتع المهاجرين بكافة الحقوق وفقا للقوانين المحلية والدولية، فإن الظاهرة الأكثر إثارة للقلق تتعلق بالهجرة غير الشرعية أو السرية، ومع أن هناك جهودا تبذل للحد من هذه الظاهرة فإنها تظل محدودة النتائج طالما أن هذه الدول ليست لها الإمكانيات اللازمة لمراقبة حدودها البرية وشواطئها البحرية التي يعبر منها الجزء الأكبر من المهاجرين سرا.
ومع غياب إستراتيجية أوروبية أفريقية لمحاربة الهجرة غير الشرعية فإن الأمر لم يخل من بعض المبادرات المشتركة كإطلاق مبادرات مشتركة بين الدول المجاورة لمراقبة الحدود البحرية. و تنسيق التعاون الأمني على مستوى المعلومات والمعطيات لتفكيك الشبكات العاملة في هذا الإطار. والسعي في ظروف سياسية خاصة مع وصول حكومات أكثر اهتماما بالمعاناة الاجتماعية إلى تسوية أوضاع هؤلاء المهاجرين السريين انطلاقا من بعض الشروط وفي ظل ما يسمى بنظام الحصص، لكن هذه الخطوات تبقى محدودة ولا يمكن أن تستوعب كافة المهاجرين المقيمين، وفي نفس الوقت لا يمكن أن توقف بشكل فعال من هذا المد.
وتبدو هذه الآليات ذات الطبيعة القانونية الأمنية لحد الساعة محدودة التأثير، ومن ثم هناك قناعة واضحة لدى الطرفين وخاصة دول جنوب البحر الأبيض المتوسط- وكذا العاملين في المجتمع المدني بأنها لا يمكن أن تكون فعالة إلا من خلال إعادة تدبير ظاهرة الهجرة برمتها، ومن ثم لا يبقى هذا الهدف وقتيا وإنما يندرج ضمن إستراتيجية بعيدة المدى تتطلب إصلاحات عميقة على مستوى دول المنبع ومساهمة مادية على مستوى الدول المتقدمة المستقبلة لليد العاملة.
وبصيغة أخرى فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب تنمية مستديمة قائمة على مشاريع وإنجازات ملموسة تسمح بتثبيت المواطنين في أماكن إقامتهم الأصلية، أي الجانب التنموي هو الحل بمشاركة أوروبية ويمكن أن نشير إلى إعلان برشلونة الذي شكل حلا شموليا يحتاج إلى إرادة ومشاركة للدول الأوروبية المتوسطية لإنجاحها.
ولكن زالت الآليات المستخدمة للآن غير قادرة على تدبير الفكرة بشكل يحد من آثاره وانعكاساته سواء على دول المنبع أو الدول المستقبلة.
التعليقات
إرسال تعليقك